الأربعاء، 23 مايو 2012

أنا .. والرسايل!


من منّـا لا يحب فنان العرب .. محمد عبده ؟ او لا تستوطن قلبه أحدى أغانيه؟ 
اذا لم تكُن عمومها ؟
محمد عبده قامه عظيمه .. تاريخ فنّي مُمتد من الستينات و حتى الآن .. 
صوت ٌ عظيم .. عذب .. آسر ، أغاني لا يختلف عليها أثنان ، موسوعة مُتكامله وكأنها أصبحت جزءاً من وطنيتنا لهذا البلد ، فَنحنُّ لا ننكر أنّه يعتبر رمزاً من رموز المملكة العربية السعودية وقدّ تغنّى في حُب مملكتنا مايُقارب ال٢٠٠ أُغنية.
أغانيه معروفه من زمن أجدادنا و كانوا يُطربون لها ، و لا زالوا .. 
( الا واشيب عيني - خاصمتني بـ عين - رحت يمّ الطبيب - إبعاد - ردّي سلامـي - عنود الصيد - ولّعتني - لو وفيت  ... وغيرها الكثير والكثير )


إلا إنّي  وبشكل شخصي، أعشق سماع "الرسايل"، في هذه الاغنيه سحرٍ يختلف عن جميع الاغاني الأُخرى ، وذلك لا يعني إن الاغاني الأُخرى أقل جمالاً ..
لكن "الرسايل" .. تأخذك بعيداً .. عالم جميل ومؤلم على حدٍ سواء ..
فصول متنوعه من المعاناه .. حتى صوت محمد عبده يتألم مع كلمات هذه الاغنية الرائعه ، كيف لا ؟ وقدّ صاغها "البدر
وما ادراك ما"البدر، يحتاج الى موضوعاً آخراً لوحده.
نعود الى"الرسايل"


وليله كانت الفرقــا .. 
وقالت لي فمان الله 
و ليله ذكرها يبقى
على قلبي ،، ولا أنساه


عاشر من تعاشر .. فلا بُد من الفُراق ، لا بُد من الوداع ، لان لكُل بدايه نهايه حتماً ، مهما تنوّعت الظروف و أختلفت،
إلا أنّ أبجديات اللقاء و الوداع لا تختلف كثيراً ، و أنّ لم تَتشابه!
قالت له : فمان الله ، وهل لنا غير الله أماناً ؟ 

ليله ذكرها يبقى على جرحي ولا أنساه .. 

بالطبع لن نستطيع النسيان ، و"أن حصل تناسي" .. إلا انّ النسيان هو النعمه الوحيده اللتي لا نستطيع التَحكُم بها ، ولا بوقتها أو كيفيتها!
هو فعلاً نعمه ، ولكنّها قابله للطيّ والسرد و التذَكُّر ..
النسيان نعمه ، مُمكن أن يُهيجّها نسمه هواء عابره ، رائحة عطرٌ ما ، أو حتى كلمات لأغنيه قديمه!

النسيان هو الجَرح الوحيد الذي لا نَستطيع تَضميده ، و أن بَرَىَ - بصعوبه - يُصبح سهل الفتق مراتٍ و مراتٍ كثيره وبسهوله.



و جت تاخذ رسايلها ..
و خصله من جدايلها
و تديني جوباتي
بقايا عمر بسماتي
و قالت لي .. فـمــان الله


هُنا يَكمُن الغزل العفيف ، عند الوداع ، ذهبت له لتأخُذ كُل ماتبقّى منها فيه ، رسائلها ، حروفها و كلماتها و ماجادَ بها قَلمها و ما سَطّرت لَهُ أناملها ، ولَك أن تتخيّل مايوجد في تلك الرسائل - مهما كان المحتوى - إلا أنّه بالتأكيد شيءٌ ثمين!

 و أتَت لتأخُذ خِصله من ظفائرها -وهي شيء من اشياء المرأه الثمينه آنذاك - أتِت لتَنتشل منّه كل مافيه يمُّت لها بـ صله .. أتَتَ لتأخذُ الأشياء المَلموسه فقط! لأنها لا تُدرك أن هُناك أشياء يَصعب أخذُها ،
أشياء تأخذُ عمراً كاملاً لينساها ،
أشياء سوف تستعمر قلبه ، عقله و حتى جوارحه.
قُيود سوف تجَعله أسيرها .. إلى أنّ يصلّ إلى أرذل العُمر.
أفكار .. سوف تحوم حول سمائه لايستطيع الخلاصُ منها ، وإنّ رَغِب ذلك!



في ليله كنّها الليله ، عرفتك بسمتي و فجري
و ليله زي ذي الليله ، و هبتك في الأمل عمري




الليالي و الأيام تتشابه ، فالليلُ هوَّ الليل ، والنهار كذلك ، و حتى التاريخ و الوقت لايُغيّر بهم كثيراً ، بل الأحداث هي التي تجعل للأيام قيمه و معنى و فرحه ، و في أحياناً أُخرى "جروح " يَصعب ضمادها.

في مثل ليلة الِلقاء ، الليله التي عرفها بها ،الليله التي ظنَّ بها أنّ الحظ إبتسم له ، الليله التي شَعَر  بأنها بَسمته و فجره وماتبّقى من عمره ..
و الليله اللتي وَهبها بها حياته ، و هل يوجد للمَرء أغلى من حياته ؟!!!! 

حدثَ الفراق .... 

و يا ليت البسمه ما كانت ولا الاحساس..
وياليت الدنيا خانتني .. و كل الناس
و لا خنتي هواي انتي..
و لا قلتي .. فـمـان الله!! 


أصعب ماعلى الأنسان ، أنّ يتمنّى شيئاً لَم يحدُث ، وكيف لو تمنّى أنّ شيئاً سعيداً لم يحدُث؟
لـ هذا التَصرُف تفسير وحيد ، تفسير صعب  : من شدّه الحرقه والألم والذهول ، تمنّى ان لم يحدُث لقائها! وناقَض مشاعره ، بل نَدم على ذلك!! 

تمنّى الخيانه من جميع الخَلق .. إلا منها هيَّ!
لأنها بالنسبه له " جميعُ الخلق " و الذي لَم يُخلق بعد!!

و لا قلتي : فمان الله

وهي لا تعلم هُنا .. انها دَعته في أمان الله و لا يوجد أمان الا بين يديّ الله سُبحانه!
ولكنها لا تعلم أنها خذت منه الأمان الذي مُمكن أن يعطيه أحداً غيرها في يوم من الأيام.
بل أخذت منّه كُل الأمان في حياتِه كُلها، وصَعبٌ على المَرء أنّ يَعيش بين البَشر بِلا أمان!


لا تردّين الرسايل ، ويش اسوي بالورق؟!
و كل معنى للمحبه ، ذاب فيها و احترق!!




جائت مُحمله برسائله ، لِتَرُدّها إليه ،
وهي لا تعلم أنّ كُل حرف ، كَلفهُ عمراً و دمعاً و جرحاً لـيخُطّه لها .
هي لا تعلم أنّ الحروف ، مثل الأحاسيس ، لا تُرد ، و لاتُستبدل حتى!
هي لاتعلم أنّ الحروف ، ترجمه لأغلَى مانَمتلكه في حَياتنا ، أحَاسيسنا .
هي لا تعلم أنّ الحروف ، و الكلمه الطيبه أغلى مايهديه لنا مخلوق في حياتنا كلها

ماقيمة الرسائل ؟ و قد أحترق بها كُل حرفٍ و سطرٍ و جُمله!
ماقيمة الشيء ، عِندما يختفي منّه كُل شيء؟
و تختفي ملامحه ، لتُستبدل بـ ملامح أكثر شحوباً و بُهتان؟

هي فعلاً ، لا تَعلم!!

لو تركتي لي في ليله .. بسمتك عند الرحيل
دمعة العين الكحيله .. عذرها الواهي دليل

و ليله كانت الفرقا..
و قالت لي فـمان الله!! 





هُنا ، تجتمع كل معاني الـ مَع و الضِد .. 

هُنا تُطلق العنان لـ مُخيلتك ، و ذائقتك و رؤيتك للأغنيه ..

هُنا تكمُن آخر فصول الوجع ، في الحكايه المُمتلئه بالوَجع !

و المعـنى اولاً و اخيراً في "بطن الشاعر" .. 

يقول لها :
لو تركتي لي "بسمتك" عند الرحيل ، هذه الإبتسامه من المُمكن ان تكفيني ،
و تكون أشدّ صدقاً من "دمعتك" الزائفه الواهيه .. 
لأنكِ لستِ أشدّ حُزناً منّي ـ هذا إذا كُنتِ بالفعل حزينه على فِراقي ـ 


أنهى مُعاناته بـ يده .. وهو يعلم جيداً بأنها لم تنتهي بعد!
وهو يعرف شديد المعرفه ، بأن هذا ما هو إلا أول فصول الألم والفقد و الوجع!
و هو يعلم تماماً بأن ما حدث هو بداية النهاية!


وانّ لا شيء بالدُنيا أشدّ ألماً من أن يبدأ الشخص بـ ترتيب فصول قصته ، وأحداثه ، وهو يعلم جيداً بأنها لم .. ولن تنتهي!! 



و ليله .. 
كانت الفرقـا  ..


وقالت لي :
"فمان الله" 

هناك 6 تعليقات:

  1. أعجز عن التعبير
    مبدعه يا مشاعل طرحك واسلوبك جميل جداً
     

    ردحذف
  2. شكراً جزيلاً لك ..
    أتشرف بكلماتك!

    ردحذف
  3. مُتقنه في كتاباتك كالعاده .. عندما تُقرن القراءه بحروفك تأكدي بأنها لن تُمل

    ردحذف
  4. روان دائماً تُخجلينني بكلماتك الجميله مثلك ..

    شكراً من القلب ..

    ردحذف
  5. شعاع الربيعة4 ديسمبر 2012 في 10:44 م

    جميله هي الكلمات والأجمل إحساسك المُرهف في زمن يفتقر لهذهِ الكلمات والأحاسيس
    دُمت نبضاً وجمالاً بتلك المشاعر

    ردحذف
  6. لقيت المدونة بصدفة سلمت يمناك.

    ردحذف